السؤال:
كيف يمكن للشخص الجمع بين عزة النفس والطلب من الإخوان؟
الجواب:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.. أما بعد:
بداية نشكر لك تواصلك وثقتك بإخوانك في موقع المسلم ومستشاريه ونسأل الله سبحانه أن يجري الحق على ألسنتنا جميعا وأن يلهمنا جميعا الخير والرشاد.
أخي الكريم:
فالعزة صفة من صفات الله تعالى سبحانه، ففد وصف الله بها نفسه في كتابه الكريم في أربعة وعشرين آية.
وللعزة عدة معان تعرف بها ولكنها تدور حول معاني الغلبة والقوة والندرة والنفاسة للشيء في ذاته.
والعزة المطلقة لا تكون إلا لله سبحانه على خلقه ومنها قوله سبحانه في الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد وصححه الألباني في الصحيحة عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه سبحانه: «قال الله عز وجل: الكبرياء ردائي، والعزة إزاري، فمن نازعني واحدًا منهما ألقيه في النار».
ويتحلى المؤمن بهذه الصفة على مقتضى عبودية ولا تصح منه إلا حين تستمد من عزة ربه سبحانه، بامتثال العبد لأوامر ربه وانتهائه عن نواهيه فقال سبحانه: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ} وإذا تسربل بها الإنسان بالبعد عن ربه صارت عزة بالإثم فكما قال الله سبحانه: {وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ}.
وتلازم العزة المؤمن في جميع أحواله حتى وإن ضاقت به الدنيا أو قل فيها نصيبه فكلما ارتقى المؤمن في إيمانه ازدادت عنده تلك العزة وكلما ابتعد عن ربه أصابه الهوان والصغار.
ولن يجد المؤمن العزة في اقترابه من الناس وابتعاده عن ربه سبحانه فقال عز وجل: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا}، وحذرنا من التماسها عند الناس في الإعراض عنه فقال: {أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا}.
والعزة شعور قلبي لا تتحقق إلا بالاستغناء الكامل عن الناس مع الاعتماد الكامل على الله سبحانه والثقة به.
ولكننا نعيش في الدنيا، وقد قدر الله سبحانه أن يحتاج الناس لبعضهم البعض في قضاء شئونهم وحوائجهم وهنا يكون الإشكال في سؤالك أخي الكريم، فالناس لا تحب ولا تميل لمن يكثر من الطلب منهم وربما يملونه أو ينالون من عزته، وأيضا ربما يضعف أثر العزة في نفسه لكثرة احتياجه وسؤاله للناس، فأنصحك بالنصيحة التي نصحها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم لسائل جاء يسأله مثل سؤالك، ففي الحديث الذي رواه ابن ماجه وغيره بأسانيد حسنة عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله علية وسلم فقال: يا رسول الله، دلني على عمل إذا عملته أحبني الله وأحبني الناس. فقال: «ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس».
فالزهد والتوكل على الله وحده- وهو عمل قلبي محض- مع طلب الأسباب لتحقيق الحوائج هو السبيل الوحيد لتحقيق تلك المعادلة الصعبة ولتكن كلمات النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عباس رضي الله عنهما نبراسا لنا حين نصحه: «واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قـد كـتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قـد كتبه الله عليك؛ رفعت الأقلام، وجفت الصحف».
ومن أجمل ما قرأت في المواقف التي ظهر فيها هذا الفارق بوضوح أن أمير المؤمنين عليًّا بن أبي طالب جاءه رجل، فقال: يا أمير المؤمنين إنّ لي إليك حاجة رفعتها إلى الله قبل أن أرفعها إليك، فإن أنت قضيتها حمدت الله وشكرتك، وإن أنت لم تقضها حمدت الله وعذرتك، فقال علي: اكتب فإني أكره أن أرى ذلّ السؤال في وجهك، فكتب: إني محتاج، فقال علي: عليّ بحلّة فأتي بها، فأخذها الرجل فلبسها.
أسأل الله أن نكون جميعا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وفقك الله لما يحبه ويرضاه.
الكاتب: يحيى البوليني.
المصدر: موقع المسلم.